4.1 التكريم الإلهي للإنسان.
يظهر التكريم الإلهي للإنسان في عدة أمور؛ نعرضها بشيء من الاختصار أولًا، ثم نذكرها بتفصيل لا يطيل: الإنسان خليفة الله في أرضه، الإنسان محور رسالة السماوية، الإنسان سجدت له الملائكة، فضّل الله الإنسان على سائر المخلوقات، سخر الله تعالى ما في الكون للإنسان، كرّم الله الإنسان بالعقل، الإنسان محور الحضارات والأخلاق، كرّم الله تعالى الإنسان في تشريع الأحكام. – الإنسان خليفة الله تعالى في الأرض: ذلك أن الإنسان هو الكائن العظيم، الذي انطوى فيه سر الكون، وتعلقت المشيئة الإلهية باستخلافه في الأرض، وتوقفت عليه الحياة فيها، وارتبطت به الحضارة، حتى سماه بعضهم: الإنسان ذلك المجهول، وخاطبه الشاعر بقوله: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر أعلن الله -تبارك وتعالى- أمام الملأ الأعلى تكريم هذا الإنسان، بجعله خليفة في الأرض، فقال جل من قائل: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون)) (البقرة: 30). تقوم خلافة الإنسان على ثلاثة عناصر: أ- الأخذ بالأسباب المادية التي أمر القرآن بها في العمل والسعي والنظر والبحث. ب- الاعتماد على المعطيات الكونية، التي سخّرها الله تعالى للإنسان في الكون، وما ادخره له من خيرات الأرض، وما أحاطه به من أنظمة وكواكب في السماء. ج- استخدام المواهب الذاتية للإنسان، بدءًا من الحواس، وانتهاءً بالعقل، ومرورًا بالتعاون والتكاتف والاستفادة من سائر الخبرات والطاقات. وينتج عن كون الإنسان خليفة في هذه الأرض أمور كثيرة، منها: أ- أن الإنسان هو السيد في هذه الأرض، ومن أجله خلق الله تعالى الخيرات، وهو العامل الرئيس في شئون الحياة، ويتوقف صلاحها على صلاحه، وفسادها على فساده، فلا يصح إذًا أن تقدّم الآلة على الإنسان، ولا يجوز أن يعلوَ مبدأ أو نظام إلّا إذا حقق مصالح الإنسان، ولا يصح أن تكون الثروة ووسائلها؛ من زراعة أو صناعة أو تجارة، معيارًا يقاس به صلاح الإنسان، فالإنسان ليس بهذه الرفاهية، وليس بتلك القوة، وإنما الإنسان بمقدار ما يسير على منهج الله، ويحقق مقصود خلافة الله. ب- أن الله تعالى أودع في الإنسان بعض الصفات؛ ليقوم بالخلافة الصحيحة في الأرض، وهي صفات نبيلة، وسجايا فاضلة، منها: الرحمة والرأفة والعلم، والإرادة والقدرة، والاختيار والجود والتدبير والحكمة، والإنسان خليفة الله تعالى في أرضه لإقامة شرعه ودينه، وتطبيق أحكامه والسير على منهاجه، فهو مأمور بإقامة الحق والحكم بالعدل والقضاء بالقسط، وهذا ما فهمته الملائكة من كلمة “خليفة”، قال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره للآية: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون)) (البقرة: 30): “إنّي جاعل في الأرض خليفة مني، يخلفني بالعدل بين خلقه، وإن ذلك الخليفة هو آدم، ومن قام مقامه في طاعة الله، والحكم بالعدل بين خلقه”. والإنسان خليفة في الأرض لإعمارها وكشف أسرارها، والاستفادة من خيراتها وتطويرها وترقيتها، واستخراج ما ادخره الله تعالى فيها، قال سبحانه: ((وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)) (فصلت: 10)، قال ابن إسحاق: “خليفة: ساكنًا وعامرًا يعمرها ويسكنها”، وفي هذه الآية بيان لذلك السر الذي خلقه الله تبارك وتعالى في الإنسان، وهو الاستمرار والبقاء بالتوالد، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذا فسّر بعض المفسرين الآية بقوله: “خليفة، أي: يخلف بعضهم بعضًا”. ج- الإنسان محور الرسالات السماوية: وهذا فيه تذكير بقول الله: ((قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (البقرة: 38). اقتضت حكمته ومشيئته -تبارك وتعالى- أن يرشد الإنسان إلى خيره وفلاحه، في حاله ومآله، وذلك بإرسال الرسل، وإنزال الكتب والشرائع، قال سبحانه: ((وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ)) (آل عمران: 4)، وقال: ((إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ)) (المائدة: 44)، وقال: ((وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ)) (المائدة: 46)، وقال: ((إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)) (الإسراء: 9). وهكذا كما قال الناظم: ومن عظيم منة السلام ولطفه بسائر الأنام أن أرشد الخلق إلى الوصول مبينًا للحق بالرسول وهكذا توالت الرسل، وتتابعت الأنبياء، وجعلت الكتب تنزل تترى، تدور على محور واحد وهو الإنسان، بما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة. يقول أحد الباحثين: “لعلّ أروع ما في الأديان ما يشدني أنا شخصيًّا، أنها تعظم من شأن الإنسان، ولا تتركه في هذا الوجود نهبًا للتشتت والضياع وفقدان الأمل، ويصل الإسلام إلى الذروة، في إظهار هذه الرابطة، بين القوة الخالقة المدبرة لهذا الكون وبين الإنسان، فليس الإنسان في حقيقته إلّا مظهر القوة الإلهية في هذا الوجود، ودليل مشيئتها على الأرض”. وقد حدّد العلماء مقاصد الشريعة في تحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة، في العاجلة والآجلة، وفصلوا مصالح الناس في الدنيا، وبينوا مصالح الناس في الآخرة، ففي الدنيا ما فيه نفعهم وصلاحهم وسعادتهم وراحتهم، وكل ما يعينهم على تجنب الأذى، ودفع الضرر والفساد، وفي الآخرة الفوز برضوان الله تعالى في جنته، والنجاة من عذابه وغضبه والنار. وقد تواترت كلمات علمائنا -رحمهم الله- فهذا ابن القيم يقول: “إن الشريعة مبناها وأساساها على الحِكَم والمصالح للعباد في المعاش والمعاد، عدل كلها ورحمة كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله -صلى الله عليه وآله- أتمّ دلالة وأصدقها”. وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: “جاءت هذه الشريعة لتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وتعطيلها”. وهذا العز بن عبد السلام -رحمه الله- يقول: “والشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد، أو تجلب مصالح”. ولو تأملنا النصوص في ذلك لوجدناها كثيرة وافية، قال -جلّ من قائل: ((فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ)) (البقرة: 256) وهذا في مجال العقيدة والإيمان، وبيّن سبحانه الحكمة من بعثة الرسل فقال: ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت)) (النحل: 36). وصرّح القرآن بالحكمة والمصلحة من بعثة نبينا -صلى الله عليه وسلم- خاصة، فقال: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) (الأنبياء: 107)، وبيّن الغاية والهدف من نزول القرآن، فقال: ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)) (إبراهيم: 1)، وهكذا أخبر القرآن، فقال: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)) (الحديد: 25). وفي مجال العبادات بيّن الشارع الحكيم أنها إنما شرعت لتحقيق مصالح الإنسان، وأن الله غني عن الطاعة والعبادة، فلا تنفعه طاعة، كما لا تضره معصية، قال -جلّ من قائل: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (البقرة: 21). وفي مجال العقوبات بيّن القرآن الكريم الحكمة والغاية من مشروعية القصاص، كما قال -جلّ من قائل: ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (البقرة: 179). وفي آيات التشريع والأحكام، رأينا قول الله -تبارك وتعالى- في التعقيب على آية الدّيْن بالإشهاد والكتابة والتوثيق والحكمة من ذلك، كما في قوله تعالى: ((ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا)) (البقرة: 282). كل ذلك بجملته يؤكّد أن الكتب السماوية، وأن الرسالات الإلهية، وأن الأحكام الشرعية، إنما تهدف أصلًا لمصلحة الإنسان، وأنه محور التكليف والتشريع والأحكام، وأنه الغاية المقصودة، والهدف المنشود من كل أصلٍ أو فرع. د- ومن تكريم الله للإنسان: أن أمر سبحانه الملائكة بالسجود لآدم، كما قال جلّ من قائل: ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ، فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) (ص: 71 – 74). وفي القرآن تفضيل الإنسان على سائر المخلوقات، قال تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)) (الإسراء: 70). ركّب الله تعالى الإنسان من ثلاثة عناصر: هذا العقل، الذي يمثل التسامي والتفكير الواعي والإدراك والحرية، والاختيار للأمور، وهذه الروح التي وهبها الله تعالى من ذاته للإنسان، كما قال: ((وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)) (ص: 72) ليتدرج الإنسان في مراقي الكمال والرفعة، وليتصل بروحه مباشرة بالله الخالق المدبر، وهذا الجسد وهو العنصر الثالث من المادة، وما فيها من شهوات وغرائز، وما فيها من ميول، يشترك فيها مع كثير من المخلوقات التي تقتصر على الجسد فحسب. قال ابن العربي المالكي -رحمه الله: “ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإن الله -تبارك وتعالى- خلقه حيًّا عالمًا، قادرًا مريدًا متكلمًا، سميعًا، بصيرًا، حكيمًا، وهذه صفات الرب سبحانه”. وعنها عبّر بعض العلماء، ووقع البيان بقوله -صلى الله عليه وآله: ((إنّ الله خلق آدم على صورته)). والله -تبارك وتعالى- سخّر ما في الكون للإنسان؛ لأنه المخلوق المفضل؛ ولأنه مستخلف في الأرض، قال -جلّ من قائل: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)) (الملك: 15)، وقال ممتنًّا على الإنسان: ((أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)) (لقمان: 20). والإنسان هو محور الحضارات والأخلاق، فالتفكير في الإنسان منشأ ومسيرة، وخلقة ومواهب، وطموحات، ونشاطات، وفاعلية، إنما يهدف إلى مصلحة الإنسان ذاته. إنّ التفكير في مشكلات الإنسان من أيّ جهة كانت، إنما تخدم مصالح الإنسان، وتعالج واقعه، وتستفيد من ماضيه، وتقارن بينه وبين الإنسان في زمان آخر، ومكان ثان؛ لتحدد له المستقبل الأفضل، وتوجهه نحو السبيل الأقوم. إن دراسة الإنسان حيثما كان؛ نفسيًّا وروحيًّا وجسديًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، إنما تنصبّ في رعاية الإنسان نفسه، والسمو بحالته نحو الأفضل، وما من حضارة في الكون إلّا والإنسان عمادها، إلا والإنسان هدفها، إلا والإنسان هو تلك الجهة التي تتوجه إليها. إن هذه الحضارة -في الحقيقة- هي محاولات في الاستكشاف والاختراع والتفكير والتنظيم، والعمل على استغلال الطبيعة التي سخرها الله تعالى للإنسان؛ للوصول إلى حياة أفضل، وهذه الحضارة هي حصيلة جهود الأمم. إن معنى الحضارة -كما يقول بعض علمائنا المعاصرين: قد توسع حتى صار شاملًا لجميع التقدم والرقي الإنسانيين، فالإنسان هو المعيار في تقييم الحضارات، فقد تكون الحضارة إقليمية أو قومية أو محلية، فتبوء بالفشل، وتكون محدودة النتائج، وقد تكون الحضارة ذات وجهين، فتكون إنسانية في وجه، وغير إنسانية في وجه آخر، وهذا ما وصف به المفكر المسلم مالك بن نبي الحضارة الأوربية بأنّها: إنسانية أوربية في الداخل، وإنسانية استعمارية في الخارج. ولمّا قامت الحضارة الإسلامية على أساسٍ إسلامي وإنساني، حقّقت للإنسان السعادة، وحققت للمجتمع الرغد في الدنيا، على أوسع رقعة من الأرض، ثم صارت معه إلى الأمام؛ ليبني سعادته الخالدة، وليقيم مجتمعه الخالص في الآخرة؛ لذا قامت الحضارة الإسلامية على تعاون الشعوب والأمم المختلفة، وساهمت في بنائها الشعوب الإسلامية قاطبة من الشرق والغرب، بعد أن صهرت وانماعت في بوتقة الإيمان. بل إن الحضارة الإسلامية لا تحجب المساهمة عن غير المسلمين؛ ذلك لأنها حضارة إنسانية، وكل إنسان يمكنه أن يساهم فيها، واللقاء بين الحضارات واللقاح المتبادل بينها، يعتمد على العنصر المشترك فيها وهو الإنسان، ثم السعي به نحو الأخوة الإنسانية، نحو التقدم والرخاء والرفاهية، فالخلق كلهم عيال الله، أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، والإنسان أخو الإنسان، شاء أم كره، وإنما المؤمنون إخوة بالإيمان أولًا، وبهذه الإنسانية ثانيًا، تجمعهم الفضائل السامية، وهذا يقود إلى أن نذكّر بتكريم الإنسان بالأخلاق والفضائل الإنسانية، فإن الإنسان هو مجمع هذه الأخلاق وتلك الفضائل، التي خاطبه القرآن الكريم بها، وخاطبته السنة بتحقيقها. من جملة من سبق نقف بشيء من الإجمال على التكريم الإلهي للإنسان. |
الاختبارات