6.4 ملخص الدرس والمراجع
ملخص الدرس
لقد حرصت هذه الشريعة الغراء على براءة المتهم إلى أقصى الحدود، حيث يعامل معاملة البريئة حتى تثبت إدانته، نلحظ ذلك في تقريرات كثيرة، وفي أحكام عديدة، وفي ضمانات لازمة ضمنتها الشريعة لنزاهة التحقيق ولإبعاد السهام التي تضيّق الخناق على المتهم، وعلى تحريم الشريعة لإقامة حكم دون توفر أسباب الحكم الكافية، ولدرئها الحدود بالشبهات، ومما قررته أيضًا من أنه لا بأس بالعفو في الحدود وعقوباتها قبل أن يُرفع الأمر إلى حاكم، وغير ذلك.
نلمس حماية الإسلام للأفراد من الوقوع في التهمة، فقد اتخذ الإسلام طرقًا ناجعة وسبلًا نافعة في حماية الأجيال، ابتداء من الوقوع في التهم وارتكاب الجرائم، ومن ذلك الأمر بالتربية.
الجماعة المسلمة تُحاط بدرس أسبوعي وعظي، يُتلقى في كل جمعة من شأنه أن يرقق القلوب، وأن يصل النفوس بالله علام الغيوب، كما وُضعت حواجز معنوية تحذر الفرد من الوقوع في الحرام.
كما وضعت حواجز حسية فيما يكثر خطره، ويتعدَّ ضرره ويكون مجرد الإشاعة فيه جرمًا له أثر عظيم وبليغ، كجريمة الزنا مثلًا.
المتهمون ليسوا نوعًا واحدًا بل هم أنواع ثلاثة:
الأول: شخص معروف بالشر والعدوان، وله سوابق في ارتكاب الجرائم والآثام.
والنوع الثاني: شخص معروف بالاستقامة والصلاح يُستبعد وقوع الجريمة منه، ولو قالها شخص للناس لنفوها تلقائيًّا، وعابوا هذا الذي رماه بها، فهذا النوع من إقامة الدعوى تحتاج إلى دليل قوي يوجد الجزم، ويؤثر باليقين لدى القاضي والمدعي العام قبل الشروع في المحاكمة.
والنوع الثالث: شخص جُهل حاله لا يعرف عنه صلاح ولا فجور، فقد تعادل طرفا الدعوى في تهمته، والبراءة في الأصل مقدمة؛ لأن الإسلام ينظر نظرة الاحتياط والرعاية والسلامة.
حرصت الشريعة على براءة المتهم إلى أقصى الحدود.
ومن تأمل القرآن العظيم والسنة النبوية، وجد أنهما يحُثَّان على العدل والإنصاف، وعدم هضم حقوق الآخرين حتى ولو كانوا أعداء.
الشريعة حرصت للمتهم على ضمانات لازمة لنزاهة التحقيق، وحرمت الإعانة على خصومة باطلة، والوساطة التي تحول دون حدّ من حدود الله، كما منعت من إلقاء التهم جزافًا على المؤمنين والمؤمنات.
الشريعة حرمت إقامة حكم دون توفّر الأسباب الكافية من شهود، ودعاوى، وبينة.
الإسلام ليس كتلك النظم الظالمة الباطشة التي تُعاقب غير الجاني، وتعاقب على غير الجناية، أو تعاقب قرابة الجاني من البرءاء ونحوهم، وتُعَدِّي أثر الجريمة إلى من يحوطون بالجاني.
يتحقق لنا هذا الحرص من الشريعة ومن تطبيقات خلفائنا الراشدين في الدولة الإسلامية الأولى على تحقيق هذا الحق، وهو حق المتهم في إنكار التهمة الموجهة إليه، ويشترط بالإنكار شروط ثلاثة:
أن يكون صريحًا في نفي الدعوى، أن يكون للإنكار علاقة بالتهمة، فلا يتهم بالقتل، ثم ينكر أنه سرق لانتفاء العلاقة بين التهمة المنسوبة إليه وما ينكره، وأن يكون المنكر جائز التصرف.
أهم ركن من أركان القضاء في الإسلام إقامة العدل في جميع الأحوال بين جميع المتقاضين على اختلاف أعمارهم، وأجناسهم، وألوانهم، وأديانهم، ورُتَبهم، دون تمييز بين قوي أو ضعيف بين حاكم أو محكوم، بين غني أو فقير.
وفي القوانين الوضعية والأنظمة العصرية التي وضعها البشر اليوم يُؤتى بالمتهم فيحضر ليوضع في قفص حديدي، ويكون رجل الأمن واقف على رأسه بالسلاح، ثم تبدأ المحاكمة وخصمه جالس بين يدي القاضي.
ولتحقيق أمن العدالة اشترط الإسلام في القاضي شروطا مهمة منها: أن يكون ذا علم ومعرفة بالأحكام الشرعية، متمكنًا من ربط القضية بالأدلة الواردة فيها، أن يكون نزيهًا آمينًا عن جميع المخالفات، وجميع الشبه والمحرمات.
وأن يكون عاقلًا.
حق المتهم في المحامى والتوكيل: قرَّر الإسلام أن للمتهم أن يوكل شخصًا يدافع عنه بما نسب إليه من تهمة، وأن يستعين بأي شخص يثق به؛ لينوب عنه، ولا يوجد في الشريعة نصٌّ أو قولٌ للأئمة الفقهاء يمنع التوكيل حتى إن السلف الصالح -رضي الله عنهم- لم يفيضوا فيه.
من حق المتهم أن يطعن في الحكم، وأن يطلب رفعه إلى قضاة أعلى، إذا حكم القاضي على المتهم بحكم يرى أنه ظلمه فيه، ولم يقم فيه العدل ولديه دليل واضح به يطعن في الحكم.
الإسلام حرص على حماية الإنسان من الوقوع في كل ما يُمكن أن يكون سببًا في الجريمة، وأن الإنسان له كرامة ومكانة في الإسلام يُعامل بها، ويُحرص على عدم المساس بما يخالفها، وأنه لا يجوز أن يُدان متهم إلا بدليل قوي يثبت ارتكابه للجرم الذي نُسب إليه، كما يجب أن تتسم محاكمة المتهمين بالعدل والمساواة، مهما كان الشخص حتى لو كان عدوًّا كما جاء ذلك في نص كتاب الله. وأن الإسلام مكَّن للمتهم أن يقول رأيه حتى في حكم القاضي، وأن يبيّن الخطأ الذي يراه.
مراجع الدرس
- أمير عبد العزيز، الإنسان في الإسلام، مؤسسة الرسالة – بيروت 1984 م.
- عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، التشريع الجنائي في الإسلام وحقوق الإنسان، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر، الجزء الأول 2001 م.
- محمود الشرقاوي، الطفل في الإسلام، رابطة العالم الإسلامي، السنة 12 شعبان 1414 هـ.
- عبد اللطيف بن سعيد الغامدي، حقوق الإنسان في الإسلام، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية 2000 م.
- سهيل حسن الفتلاوي، حقوق الإنسان في الإسلام، دراسة مقارنة في ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دار الفكر العربي للطباعة والنشر 2001 م.
- منصور الرفاعي محمد عبيد، حقوق الإنسان العامة في الإسلام، مركز الإسكندرية للكتاب 2007 م.
- أحمد جمال عبد العال، حقوق الإنسان في الإسلام، المكتبة الأزهرية للتراث 2000 م.
- أحمد محمد عركز، كرامة الإنسان وحقوقه في الإسلام، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر 2007 م.
- كامل الشريف، حقوق الإنسان والقضايا الكبرى، رابطة العالم الإسلامي 2000 م.
- أمير عبد العزيز ، افتراءات على الإسلام والمسلمين، دار السلام – القاهرة 2002 م.
- صالحة عابدين، حقوق المرأة في الإسلام، رابطة العالم الإسلامي 2000 م.
- البنك الإسلامي للتنمية، كتاب حقوق الإنسان في الإسلام، 2006 م.
- كمال جعيط، الإسلام وحقوق الإنسان في ضوء المتغيرات العالمية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر، الجزء الأول 2001 م.
- طاهر أحمد مولانا جمل الليل، حقوق الإنسان في الإسلام، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر، الجزء الأول 2001 م.
- للمزيد من المعلومات عن الدرس، فضلا راجع ما يلي:
- الدرس 1 في كتاب المادة.
المكتبة الرقمية
خاتمة الدّرس
بهذا نكون قد وصلنا أخي الدارس إلى ختام الدرس السادس، فإلى لقاءٍ يتجدّد مع الدَّرس السابع، والّذي ينعقدُ بإذن الله، حول: والذي ينعقد بإذن الله حول: (حقوق الطفل في الإسلام). هذا، والله وليُّ التَّوفيق. والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.